بوعركي: إساءة استعمال أموال الشركة جريمة

أحدث قانون الشركات الجديد نقلة كبيرة بتنظيمه 12 جريمة تحاكي أغلب السلوكيات الخاطئة في قطاع الشركات،

ولخطورة هذه الجرائم وفاعليتها في تحقيق الردع واستيفاء الحقوق المالية نشرت مجلات علمية للدكتور حسين بوعركي أستاذ القانون الجنائي للأعمال التجارية وأسواق المال بجامعة الكويت ثلاثة بحوث علمية شرح فيها أهم أربع جرائم بالتفصيل، وبالمقارنة مع التشريع الفرنسي. وتنفرد القبس بنشر ملخص عن كل جريمة في أربع حلقات. ونبدأ بنشر ملخص عن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة اشترك بكتابته د.حسين بوعركي وأ.د مشاري العيفان: جرَّم المشرع الكويتي وفق نص المادة 304 من قانون الشركات الحديث 1 - 2016 مجرد إساءة استعمال أموال الشركة بقوله: «...يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة.. كل عضو مجلس إدارة أو مدير أو مصفي استغل بسوء نية بهذه الصفة أموال الشركة وأسهمها لتحقيق منافع شخصية له أو لغيره بطريق مباشر أو غير مباشر». وقوام هذه الجريمة هو استعمال الأموال على نحو مخالف لمصلحة الشركة، وهو أمر يتطلب اتحاد عنصرين اثنين، الأول: أن يكون هناك استعمال تعسفي أو سيئ، وهو كل فعل يعرض أملاك الشركة إلى خطر، والعنصر الثاني: هو أن يكون هذا الاستعمال ضد مصلحة الشركة كشخص معنوي مستقل ومتميز عن أعضائه، وأخذ القضاء الفرنسي بمعيار الأعمال التي تشكل خطراً غير عادي على ذمة الشركة المالية ولو لم يقع ضرر فعلي».

فصل الملكيات

وتقوم الجريمة على أساس مبدأ الفصل بين أملاك الشركة والشخصية، فلا يحق للملاك ولا المديرين أن يتعاملوا مع أموال الشركات على أنها أموال شخصية لهم مهما كانت حصتهم من رأس المال. ولا يعتبر انتفاع الفاعل أو تحقيقه لمصلحة له أو لغيره شرطاً لقيام الجريمة، ومثالاً على ذلك منح ضمان تستفيد منه فقط شركة أخرى يكون للمدير فيها مصالح مباشرة، فالجريمة تقع لو حصل المدير على تمويل عن طريق رهن عقارات تملكها الشركة ولو لم تُسيل تلك الرهونات، فإساءة استعمال القرض عند ارتكابها يجب ألا ينتج عنه سوى ضرر محتمل وضرر معنوي، فلا يشترط وقوع ضرر فعلي بأموال الشركة. إلى جانب جميع الأموال المادية الثابتة والمنقولة، نجد أن الفقه الفرنسي قد استنبط من أحكام القضاء الفرنسي أن المصلحة قد تكون معنوية كشراء الولاء وبناء العلاقات وتحسين صورة مدير الشركة، وهو ما يعني دخول المصالح الأدبية في نطاق التجريم، ولا يشترط أن تكون أموال الشركة ملكاً لها، بل يكفي أن تكون بحيازتها كأموال صناديق الاستثمار. موقف محكمة التمييز من موافقة مجلس الإدارة أو الجمعية العامة على التصرف الخاطئ، يقول الفقه الفرنسي ان هذه الأمور لا تترك لتقدير هيئات الشركة، وبالتالي ليس مُهماً أن تكون الحالة المتنازع عليها قد تم الترخيص لها سلفا من مجلس الإدارة أو أنه يوجد إبراء ذمة منح من الجمعية العامة، وتتجه محكمة التمييز الكويتية إلى ذات الإتجاه: «لا يحول دون إقامة دعوى المسؤولية اقتراع من الجمعية العامة بإبراء ذمة مجلس الإدارة، أي شل أثر إقرار براءة الذمة بما لا مساغ معه للقول ان الإبراء يحول دون رفع الدعوى، إذا تم بعد كشف مجلس الإدارة عن جميع الأعمال والتصرفات التي قام بها، بما في ذلك التصرفات المخالفة، إذ في ذلك تخصيص لعموم النص الذي وردت عبارته عامة مطلقة» (الطعن81/1996 تجاري) موافقة العمومية ويقول الفقه الفرنسي ان هذه الأمور لا تترك لتقدير هيئات الشركة، وبالتالي ليس مهما أن تكون الحالة المتنازع عليها قد تم الترخيص لها سلفا من مجلس الإدارة أو أنه يوجد إبراء ذمة منح من الجمعية العامة، فلا يمكن لهذه الهيئات أن ترخص بارتكاب مخالفة تضر بالشركة. ويلتزم عضو مجلس الإدارة أو المدير بواجب بذل العناية والولاء للشركة، وبموجب الواجب الأول يلتزم بتحقيق أكبر مصلحة للشركة في ضوء المعلومات والخيارات التي بذلت العناية الكافية للحصول عليها، وبموجب الثاني فإنه يلزم بإدارة الشركة بما يحقق مصلحتها وعدم تفضيل مصلحته الشخصية على مصلحتها وعدم استخدام صلاحياته لتحقيق مصلحة له أو لغيره. وقد تشكل مخالفته لهذا الواجب هذه الجريمة، فوقوع المدير أو الشريك في حالة تعارض بين مصلحتين تشكل هذه الجريمة.

الأطراف ذات الصلة 

ويجب علينا التمييز بين ثلاث حالات، الأولى وهي إذا لم يتم التقيد بالموافقات المطلوبة، فهنا تقع الجريمة، وأما الثانية فهي إذا كان قد تم التقيد بالموافقات المطلوبة، لكن كان هناك غش، فيمكن القول بوقوع الجريمة، وأما الثالثة فهي إذا كانت الاتفاقية بمقابل عادل للشركة وللطرف ذي الصلة، وفي مصلحة الطرفين، فإن ترخيص الجمعية العمومية او مجلس الادارة لا يمنع القضاة من فحص الصفقة.

التابعة والزميلة 

من أخطر صور هذه الجريمة تلك الممارسات التي تتم بين الشركات التابعة أو الزميلة، وقد استنتج الفقه الفرنسي من قضية ويلوه الشهيرة أن التصرفات، التي تتم بين شركات المجموعة الواحدة، وتنتج عنها استفادة وإثراء شركة على حساب شركة أخرى، تكون مشروعة بثلاثة شروط، الأول: انه يجب أن يبحث فيما إذا كانت هناك مجموعة اقتصادية مهيكلة بشكل قوي وليست مصطنعة، وما إذا ساهمت الأفعال في تحقيق مصلحة المجموعة، أما الثاني: فيجب التحقق فيما إذا كانت التضحيات المطلوبة من إحدى الشركات قد أنجزت حقاً في مصلحة المجموعة، لإبقائها على استقرار، أو من أجل مواصلة سياسة شاملة متناسقة، وليست لتحقيق المصلحة الشخصية للمديرين، والثالث: يجب التحقق من أن التضحيات أو الالتزامات لا تعرض الشركة إلى أخطار كبيرة من دون مقابل كاف، وألا تكون تلك التضحيات أو الالتزامات خارج قدراتها الحقيقية، مما قد يضر بمساهميها ودائنيها، فإذا ما غاب أحد هذه الشروط الثلاثة فإن الجريمة تقع. وتعتبر النيابة العامة هي الجهة المختصة بالتحقيق في جميع جرائم الشركات، وهناك العديد من الشكاوى قدمت للنيابة العامة من الشركات والتجار حول هذه الجريمة، ويتميز الطريق الجنائي بفاعليته بتحقيق الردع، لأن المدير سيواجه السجن والحجز والإجراءات الجنائية بشخصه، كما يتميز بسرعة الفصل فيه بخلاف الطريق المدني.


طباعة   البريد الإلكتروني