حسين بوعركي: توزيع أرباح وهمية.. جريمة

أحدث قانون الشركات الجديد نقلة كبيرة، بتناوله 12 جريمة تحاكي أغلب السلوكيات الخطأ في قطاع الشركات،

ولخطورة هذه الجرائم وفاعليتها في تحقيق الردع واستيفاء الحقوق المالية أعد الدكتور حسين بوعركي؛ دكتور القانون الجنائي للأعمال التجارية وأسواق المال بجامعة الكويت ثلاثة بحوث. شرح فيها أهم أربع جرائم بالتفصيل، ومقارنة بالتشريع الفرنسي، وتنشر القبس ملخصاً عن كل جريمة في أربع حلقات، وفي ما يلي الحلقة الثالثة بعد نشر حلقتين سابقاً. تحاكي هذه الجريمة نشاطاً؛ قوامه توزيع أرباح لم تتولّد عن النشاط الفعلي والتشغيلي للشركة، إنما كان وليد أفعال صورت للمساهمين أو الشركاء أرباحاً من دون أن تكون حقيقية، حيث إن هذا الفعل يضلل الشركاء والمستثمرين؛ لأنه يعطي انطباعاً خطأ عن ازدهار الشركة، علاوة على أنه يمس في الصميم حق الضمان للمساهمين، لأن الأرباح الصورية أرباح مقتطعة من رأس المال، أو من الاحتياطيات. بنص الفقرة الخامسة من المادة 304 من قانون الشركات التجارية، بقولها: «يعاقب.. 6 - كل عضو مجلس إدارة أو مدير أو مراقب حسابات أو مصفٍّ وزّع أو صادق على توزيع أي مبالغ، بوصفها أرباحاً، مع علمه بأن الوضع المالي للشركة لا يسمح بذلك أو بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو عقد الشركة».

حالات وأمثلة عن الأرباح الصورية

يمكن إجمال صور الأرباح الصورية في ثلاث مجموعات؛ وهي تعتبر مجرّد أمثلة، كالتالي:

المجموعة الأولى

الأرباح الموزعة من رأس المال فرأس المال غير قابل للمساس به، لأنه يكون ضمانا عاما للدائنين، وطالما الشركة لم تحقق أرباحاً فإن توزيع الأرباح بالاقتطاع من رأس المال يكون مجرماً.

المجموعة الثانية

الأرباح الموزعة من الاحتياطيات: ولها أنواع عدة:
أ - لا يجوز استخدام الاحتياطي الاجباري إلا في تغطية خسائر الشركة أو لتأمين توزيع أرباح على المساهمين بنسبة لا تزيد على خمسة في المئة من رأس المال المدفوع في السنوات التي لا تسمح فيها أرباح الشركة بتوزيع هذه النسبة من الأرباح.
ب - الاحتياطي النظامي: وهو المنصوص عليه في عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساسي، وهذه مجرم توزيعها.
ج - الاحتياطات الاختيارية، الاحتياطي الاختياري فيتكون بناء على قرار الجمعية العامة ولها مطلق الحرية في التصرف فيه، لذلك يسمى أيضاً بالاحتياطي الحر، وليس في ذلك ضرر على الدائنين، لأنه لا يلحق برأس المال، والقاعدة بشأن هذه الأرباح هو جواز توزيعها لأنها متحققة من أرباح فعلية حققتها الشركة، وأما استخدام الاحتياطي الاختياري وتوزيعه كأرباح محققة للشركة من دون موافقة الجمعية العامة فإنه يسبغ على الأموال صفة الربح الوهمي.
د - الاحتياطيات الحرة: تتكون الاحتياطيات الحرة من الأرباح التي تحقق خلال السنة المالية السابقة والتي قررت الجمعية العمومية عدم توزيعها لسبب أو لآخر (مثلا تشكيل مؤونة أو عجز في الخزينة)، والأرباح الموزعة من الاحتياطيات الحرة مشروعة وغير مجرمة طالما أن هذا التوزيع لا يرتبط بالأرباح الصافية عن السنة المالية الماضية عن طريق احتيال محاسبي، فإن مثل هذا الربط يمكن أن يوهم بتحقيق أرباح لم تتحقق في الواقع خلال السنة المالية، ومن صورها توزيع أرباح للمساهمين بالاقتطاع من المبالغ المخصصة لاستهلاك موجودات الشركة فقد نصت المادة 223 من قانون الشركات الكويتي على أنه «يقتطع سنوياً من الأرباح غير الصافية نسبة مئوية يحددها عقد الشركة أو مجلس الإدارة لاستهلاك موجودات الشركة، أو التعويض لنزول قيمتها وتستعمل هذه الأموال لشراء المواد والآلات والمنشآت اللازمة أو لإصلاحها ولا يجوز توزيع هذه الأموال على المساهمين. ذ - الاحتياطيات الخفية أو المستورة: قد يعمد مجلس الإدارة إلى تكوين احتياطي مستتر عن طريق الضغط على أصول الشركة وتقديرها بأقل من قيمتها الحقيقية، أو بالمبالغة في تقييم الخصوم، وذلك لدرء خسارة قد تلحق بالشركة بالمستقبل أو لاخفاء أرباح حققتها الشركة حتى لا تقوى حركة المضاربة على اسهمها، أو للتهرب من الضرائب، أو لأي غرض آخر، وهذا الاحتياطي بهذه الصورة فإنه غير مشروع، لما يتضمنه من حرمان للمساهمين من أرباحهم المستحقة لهم وللضرر الذي يلحق بالمساهمين الذين يخرجون من الشركة، إذ لا تمثل أسهمهم قيمتها الحقيقية، ومن ثم يجوز لهم المطالبة بتوزيعها عليهم، ولا تظهر الاحتياطيات المستورة في الموازنة ويمكن أن تنتج مثلاً من كون أحد الأموال بلغ قيمة أعلى من القيمة المذكورة في الموازنة.

المجموعة الثالثة

أرباح ممنوحة على أرباح غير محققة لكي تكون الأرباح قابلة للتوزيع ينبغي أن تكون نتيجة لعمليات منجزة، وعلى هذا فإن توزيع أرباح مستقبلية غير محققة بعد يُعتبر جريمة توزيع أرباح وهمية، ومثالها توزيع أرباح لحملة الأسهم الممتازة من إجمالي الأرباح وليس من الصافي. صورة مستحدثة للأرباح الوهمية ان مخالفة قواعد قانون الشركات أو عقد تأسيس الشركة لا تثير لبساً كبيراً، ولكن ما يثير اللبس والإشكال ما انفرد به القانون الكويتي عندما جرم توزيع الأرباح «بالمخالفة للوضع المالي للشركة». حيث يثير التساؤل حول مقصود المشرع بذلك، ونعتقد بأن المصطلح الذي أورده المشرع الكويتي المعيار فيه موضوعي، فاسباغ صفة الربح الوهمي يكون على كل ربح وزع أو تمت المصادقة على توزيعه وكان في ذلك إضرار بالوضع المالي للشركة، وهو ما يتعلق بالوضع الاقتصادي للشركة، وهو ما يعني أن الأموال الموزعة ولو لم ينطبق عليها وصف الربح الوهمي فإنها تصلح محلاً للجريمة، كحالة أخذ تمويلات وتكبيد الشركة لديون محملة بفوائد لتوزيع أرباح على المساهمين، وهذه الحالة تبدو أكثر وضوحاً إذا ما تعثرت الشركة بعد قيامها بذلك التوزيع، وهي مسألة موضوع تخضع لتقدير المحكمة في ضوء ما تراه الخبرة المحاسبية والمالية. يرى الفقه وهو ما انتهى إليه القضاء الفرنسي، أنه لا يشترط تمام التوزيع الفعلي للأرباح الصورية على المساهمين، بل يكفي صدور قرار التوزيع، وهذا الرأي الأخير هو الأرجح.

المصادقة على توزيع الأرباح

المصادقة تتم بمجرد إبداء مراقب الحسابات رأيا إيجابيا على الأرباح التي ستوزع، ولو اعترض عليه مجلس الإدارة. موافقة مجلس الإدارة أو الجمعية العامة ليس مُهماً أن تكون الميزانية قد وافق عليها مجلس الإدارة أو الجمعية العامة، وتقول محكمة التمييز الكويتية: «لا يحول دون إقامة دعوى المسؤولية اقتراع من الجمعية العامة بإبراء ذمة مجلس الإدارة». النيابة العامة لتحقيق أكبر ردع وفاعلية لهذه الجريمة، جعل المشرع النيابة العامة بما تملك من كفاءات وخبرات قضائية مميزة هي الجهة المختصة بهذه الجريمة.

 

 

 


طباعة   البريد الإلكتروني