بوعركي: تطبيق «الفاتكا» 6 أشهر من دون سند قانوني!

على خطى إصدار قانون الشركات الجديد بأثر رجعي الذي كان أول المطالبين به عبر القبس، قال أستاذ القانون الجنائي للأعمال التجارية وأسواق المال في كلية الحقوق بجامعة الكويت د.حسين بوعركي،

على خطى إصدار قانون الشركات الجديد بأثر رجعي الذي كان أول المطالبين به عبر القبس، قال أستاذ القانون الجنائي للأعمال التجارية وأسواق المال في كلية الحقوق بجامعة الكويت د.حسين بوعركي، إن ثمة إشكالية قانونية في تطبيق اتفاقية «الفاتكا» الموقعة بين الكويت والولايات المتحدة الأميركية تتمثل في إصدار وزارة المالية القرار المنفذ للاتفاقية قبل نفاذ القانون بنحو ستة أشهر، وهو ما يعني أن الأفعال التي تمت تنفيذاً لهذا القرار خلال تلك الفترة لم تكن تستند الى قانون يبيحها. وأشار بوعركي فى لقاء خاص مع القبس إلى أن المعلومات التي تتطلب الاتفاقية الكشف عنها للسلطات الضريبية الأميركية تدخل في مفهوم السر المحمي جنائياً في أربعة تشريعات كويتية وهي قانون ضريبة الدخل الكويتية وقانون البنك المركزي وقانون هيئة أسواق المال وقانون الشركات التجارية، كما يدخل كشف جنسية الشخص في مفهوم البيانات الشخصية المحمية جنائياً في بعض تلك القوانين، وهو ما يعني أن إنفاذ اتفاقية الفاتكا يتطلب ارتكاب أفعال مجرمة في القانون الكويتي. وأضاف: «نصت المادة الأولى من القرار الوزاري رقم «48» لسنة 2015 بشأن التعليمات الاسترشادية الأولية لتطبيق متطلبات الفاتكا في الكويت والصادر في 3 سبتمبر 2015: « على جميع المؤسسات المالية العاملة في دولة الكويت الالتزام بمتطلبات التقرير والإبلاغ ويتوجب على جميع المؤسسات المالية بموجب هذه الاتفاقية بذل العناية اللازمة وذلك بمراجعة وتحديد الحسابات المالية التي تؤول إلى أشخاص أميركيين والقيام بعد ذلك بنقل المعلومات المتعلقة بتلك الحسابات إلى وزارة المالية – الكويت، والتي تقوم بدورها بنقل المعلومات الى دائرة الإيرادات الأميركية.


إنفاذ الفاتكا

وتابع: «نصت المادة السادسة من ذات القرار أنه على الجهات المعنية تنفيذ هذا القرار ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية»، وقد نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) في عدد 1253 بتاريخ 13 سبتمبر 2015، وهو ما يعني سريان القرار الإرشادي الخاص باتفاقية الفاتكا، اعتباراً من تاريخ 13 سبتمبر 2015، إلا أن الممارسة العملية تكشف أن إنفاذ الفاتكا كان سابقاً على صدور القرار 58 لسنة 2015، ومن ذلك أن أرسلت وزارة المالية بتاريخ 2015/8/23 كتاباً إلى هيئة أسواق المال بشأن شروط إعفاء شركات الوساطة المحلية من متطلبات قانون الامتثال الضريبي للحسابات الخارجية الأميركية (فاتكا)، وعلى ذلك أصدرت هيئة أسواق المال تعميماً إلى كل الأشخاص المرخص لهم بمزاولة نشاط الوساطة في شراء الأوراق المالية وبيعها لحساب الغير مقابل عمولة (وسيط أوراق مالية مسجل في بورصة الأوراق المالية) كما عمم بنك الكويت المركزي على الجهات المنضوية تحت رقابته قرار وزارة المالية في 21 نوفمبر 2016 بشأن تطبيق اتفاقية الفاتكا. واستطرد: بناء على ما تقدّم، فإنه ووفق نص المادة الأولى من هذا القرار ستعتبر اتفاقية الفاتكا نافذة بمواجهة المؤسسات المالية الكويتية، ويتوجب عليهم تنفيذ كل ما ورد في هذه الاتفاقية اعتباراً من تاريخ 13 سبتمبر 2015، وذلك بما تتضمنه هذه الاتفاقية من كشف لما يدخل في مفهوم السر المحمي جنائياً، وكذلك البيانات الشخصية، وهو الأمر الذي يصطدم بانعدام السند القانوني لهذا القرار لاعتباره نافذاً، إذ إن الدستور الكويتي يشترط حتى تكون للمعاهدة قوة القانون أن يصدق عليها مجلس الأمة بالموافقة ويتم نشرها بالجريدة الرسمية، وقانون الفاتكا رقم 109 لسنة 2015 الصادر بتاريخ 31 ديسمبر 2015 وينشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 2016/1/26 ما يعني نفاذه اعتباراً من تاريخ 2016/2/26. وخلص إلى نتيجة مفادها عدم استناد القرار الإرشادي المنفذ لاتفاقية الفاتكا لقانون يجيزه خلال الفترة ما بين 13 سبتمبر 2015 إلى تاريخ نفاذ قانون الفاتكا وهو 2016/2/26، وهو ما سيؤثر بالضرورة في مدى شرعية هذه الأعمال التي تمت خلال تلك الفترة، فهذه الأعمال لم تستند لقانون يجيزها، مشيراً الى أن الوزارة سبق أن صرحت بأن الاتفاقية لن تدخل حيز النفاذ الا بعد التصديق عليها من مجلس الأمة وإصدارها بقانون ونشرها في الجريدة الرسمية، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإنها قد دخلت حيز النفاذ قبل صدور قانونها.

كشف الأسرار

وأعرب بوعركي عن اعتقاده بعدم قانونية ارتكاب تلك الأفعال التي تشكل التوصيف القانوني لجرائم كشف الأسرار المنظمة بقانون ضريبة الدخل الأجنبي رقم 3 لسنة 1955 وقانون البنك المركزي وقانون هيئة أسواق المال وقانون الشركات الجديد، فخلال هذه الفترة من يرتكب الأفعال المشكلة لتلك الجرائم لا يستفيد من وجود قانون يبيح مثل هذه الأفعال، سواء اعتبرنا تلك الإباحة سبباً من أسباب الإباحة أو استثناء على الجرائم، ما يعني بمفهوم المخالفة أن من يرتكب تلك الأفعال خلال تلك الفترة سيعتبر مرتكباً لإحدى الجرائم المذكورة، وإلى جانب الأفعال الجنائية فإن القرار الإداري الصادر غير مشروع ويحق لمن له مصلحة المطالبة بإلغائه والمطالبة بالتعويض عن الأعمال التي قام بها تطبيقاً لذلك القرار غير المشروع. وأضاف: كما ينبني على ذلك وتحديداً على عدم وجود قانون يبيح تنفيذ نصوص تلك الاتفاقية أن القضاء الجنائي الكويتي لا يمكنه نظر المخالفات المترتبة على الإخلال بالتزامات الفاتكا الواقعة خلال تلك الفترة، بل إنه سيختص بنظر جرائم كشف الأسرار التي تمت خلال تلك الفترة، كما أن القضاء الإداري سيختص بنظر كل دعاوي الإلغاء والتعويض المتعلقة بتنفيذ ذلك القرار. وأكد بوعركي أن من شأن هذا الخطأ الجسيم تعريض مصالح وعلاقات الكويت مع الولايات المتحدة للخطر؛ لأنها تخل بالتزاماتها في التطبيق بالشكل السليم، مؤكداً أهمية تهيئة وتوفيق البيئة التشريعية في الكويت مع الالتزامات المترتبة على الفاتكا.

حل الإشكالية

ويرى بوعركي أن الحل لإشكالية عدم مشروعية القرار وبالتالي عدم مشروعية الأفعال المنفذة يكمن في إصدار قانون جديد ينص على إنفاذ اتفاقية الفاتكا بأثر رجعي، أي بالنص على اعتباره نافذاً بتاريخ سابق على إصدار القرار الوزاري رقم 58 لسنة 2015، وإصدار هذا القانون بهذه الصورة من شأنه إسباغ الشرعية على قرار وزارة المالية رقم 48 لسنة 2015، بحيث يكون القرار مستنداً إلى ذلك القانون، وهو أيضاً من شأنه إباحة الأفعال والأعمال التي تمت خلال الفترة ما بين صدور القرار 2015/58 الى حين نفاذ القانون 109 لسنة 2015، ولا يعتبر القانون هنا مخالفاً للحظر الدستوري بعدم رجعية القوانين الجزائية، لأن هذا الحظر خاص بقواعد التجريم، اي بإسباغ التجريم على أفعال سابقة على العمل بالقانون، وهذا الحل هو الحل ذاته، الذي طرحناه على المشرع الكويتي بخصوص إشكالية قانون الشركات، وتبناه المشرّع بإعادة إصدار قانون الشركات بالقانون رقم 1 لسنة 2016.

المعاملة بالمثل

على صعيد متصل، قال بوعركي إنه بخلاف اتفاقية الفاتكا بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، لم تنص الاتفاقية الكويتية ـــ الأميركية على شرط المعاملة بالمثل، كما لم تتضمن الاتفاقية الكويتية ـــ الأميركية أي تنظيم لحالات الازدواج الضريبي، كما خلت من الإشارة إلى وجود اتفاقية تمنع الازدواج الضريبي بين الكويت وأميركا، ولم نتوصل إلى وجود اتفاقية من هذا النوع بين الكويت والولايات المتحدة الأميركية، كما منحت الاتفاقية فرنسا حق الاستفادة من أي شرط تفضيلي يمنح لدولة أخرى بشكل واسع، بينما ضيّقت من نطاق الاستفادة من الشرط التفضيلي بالنسبة الى دولة الكويت. وأشار الى أن الاتفاقية لم تحدد جهة قضائية تختص بالنظر في المخالفات المرتكبة ضدها، والضمانات القضائية التي تمنح للمتقاضين أمامها، وقد أعطت الاتفاقية للسلطات الأميركية حق العقاب على أن تقوم السلطات الكويتية ـــ وزارة المالية ـــ بتنفيذ تلك العقوبات، وهو ما يعني أن عقوبة «الفاتكا» عقوبة إدارية، وليست جنائية. وأكد أنه لا يمكن اعتبار الغرامة التي تقرها اتفاقية الفاتكا غرامة جزائية، لعدة اعتبارات، أهمها فقدان خاصية قضائية العقوبة، إذ تختص السلطات الضريبية بعقاب مخالفي الفاتكا.

 

الآموال العامة

وأضاف لا يوجد ثمة تعارض بين عقوبة الفاتكا وعدم تنظيم المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية بالتشريع الكويتي، ذلك أن طبيعة العقوبة ليست جزائية، بينما يوجد إشكال حال ارتكاب تابعي الأشخاص المعنوية لجرائم كشف الأسرار أو الأموال العامة أو غيرها باسم ولحساب الشخص المعنوي مع هذه المسؤولية. وقال إنه لتحقيق الامتثال الأفضل لاتفاقية الفاتكا، يجب توقيع اتفاقية تنظم الإنابة القضائية بين الولايات المتحدة الأميركية ودولة الكويت، وكذلك توقيع اتفاقية للتعاون القضائي شبيهة بالاتفاقية الكويتية المصرية، مشدداً على انه لا يجوز تسليم من يحمل الجنسيتين الأميركية والكويتية للولايات المتحدة الأميركية. وبين ان إقرار تشريع جنائي يعالج التهرب الضريبي من شأنه إنفاذ اتفاقية الفاتكا من وجهين، الأول: هو أنه لن تتمكن المحاكم الكويتية من محاكمة المتهربين من ضرائب الفاتكا أو أي ممن ارتكب أفعالاً تشكل جرائم الغش والتهرب الضريبي بسبب عدم وجود تشريع جنائي لهذه الأفعال في الكويت. وأما الوجه الثاني: فإنه وبإقرار هذا التشريع سيمكن اعتبار الأموال التي لم يلتزم ملاكها بضريبة الفاتكا أموالا متحصلة من جرائم، وبالتالي تطبيق قانون غسل الأموال عليها، وما يحققه تطبيق نصوص هذا القانون من حماية جنائية فاعلة، سواء على مستوى ملاحقة مرتكبي جرائم غسل الأموال أو مدى الحماية المقررة والإجراءات الجنائية الواسعة التي يمكن اتخاذها حيال الأموال المتحصلة من جرائم، كإجراءات الحجز على الأموال وتجميدها ومصادرتها.

 

الضرائب الكويتية

ولفت الى انه بخلاف الاتفاقية الفرنسية الكويتية، فإن نصوص اتفاقية الفاتكا بين الكويت وأميركا لم تتضمن إلزام على الولايات المتحدة بكشف المعلومات المتعلّقة بدافعي الضرائب الكويتية، الذين يحوزون أموالاً في الولايات المتحدة الأميركية. وتابع: لا تعطي اتفاقية الفاتكا للمؤسسات المالية الكويتية الحق في حماية السر التجاري وعدم الإفصاح عنه لأغراض الإفصاح لاتفاقية الفاتكا، بخلاف الاتفاقية الفرنسية الأميركية، مشيراً إلى انه ليس هناك ترابط بين ازدواجية الجنسية وارتكاب جريمة التزوير، كما أن القانون الكويتي يجيز بعض حالات الازدواجية في الجنسية.

 

حماية الآموال

قال: على فرض قيام وزارة المالية الكويتية بتحصيل أموال تنفيذاً لاتفاقية الفاتكا، فإن هذه الأموال ستتمتع ببعض أوجه الحماية الجنائية المقررة في قانون حماية الأموال العامة رقم 1 لسنة 1993، حيث تنطبق جرائم اختلاس الأموال العامة والاستيلاء على الأموال العامة وكشف الأسرار، كما ستستفيد تلك الأموال من مبادئ عينية قانون حماية الأموال العامة الكويتي بانطباقه على أي فعل يشكل إحدى الجرائم التي نص عليها، ولو كان ذلك الفعل خارج دولة الكويت ولم يرتبط الفاعل بجنسية دولة الكويت. وبيّن أن اتفاقية الفاتكا لا تمنع الازدواج الضريبي ما بين الكويت وأميركا، ما يعني فرض ضرائب من الدولتين على ذات المال! وذلك على عكس الاتفاقية الفرنسية الأميركية التي اعتبرت اتفاقية 1994 بشأن منع الازدواج الضريبي بين الدولتين هي الأساس! وأضاف: يستفيد المحامون وأصحاب المهن القانونية والمحاسبون من الإعفاء الجنائي المقرر لهم بنص المادة 12 من قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عندما يقومون بأعمال تتعلّق بنفاذ اتفاقية الفاتكا، إذ إن الإعفاء قد قرر لهم بنص خاص.

 

دراسة علمية مقارنة

أشار بوعركي الى انه قدم دراسة مقارنة الى احدى المجلات العلمية حول اتفاقية «الفاتكا»، التي وقعتها اميركا مع كل من فرنسا والكويت، تضمنت كل الاسانيد القانونية التي تدعم وجهة نظره.


طباعة   البريد الإلكتروني